يعد التخطيط الاستراتيجي واحداً من أهم المداخل الإدارية الذي يساعد كافة المؤسسات على النجاح والاستمرارية، والتغلب على المخاطر التي تعترض المؤسسة في عملها، خاصة مع ازدياد المنافسة العالمية والمحلية، وإمكانية استغلال الفرص التي تفرض على تلك المؤسسات أن تصبح منظمات ريادية في أدائها على المدى البعيد.

فإذا كانت المؤسسة تسعى لتحقيق تحسين محدود لمواردها ونتائجها، يكون تحقيق ذلك أمر بسيط وسهل وذلك من خلال الأساليب والممارسات اليومية للإدارة التقليدية، ولكن الوضع يختلف تمامًا إذا كان المطلوب إحداث تطوير وتحسين شامل وكامل لعمليات المؤسسة ومستدام ليشمل كافة أداراتها، عندئذ لا يمكن الاكتفاء بالأساليب والممارسات اليومية للإدارة، بل تصبح الحاجه لإحداث تغيير على قدر التطوير المطلوب ضرورة ملحة.

أجل! وقتها ستكون هناك حاجة إلى تطويرات جوهرية للمهمة الأساسية لتلك المؤسسة وكذلك لأغراضها وأهدافها العامة والتفصيلية. وكل ذلك بطبيعة الحال يتطلب التخطيط الاستراتيجي الذي يمثل الوسيلة التي يمكن من خلالها توحيد كافة أنشطة المنظمة.

ومن هنا نتعرف سويًا على كيفية تحقيق تلك الأهداف وتطبيق الجودة في عملية التخطيط الاستراتيجي ودوره الإيجابي خاصة إذا تم تطبيقه وفهمه وفق أسس ومعايير نموذج التميز المؤسسي الأوروبي EFQM European foundation for quality management.

ولكن في البداية لنتعرف سويًا على تعريف “التخطيط الاستراتيجي” وأثره على الأداء المؤسسي وصولاً للتميز المنشود …

ترجع أصول مصطلح “الاستراتيجية” وهو مصطلح يوناني الأصل، إلى الحرب العالمية الثانية للدلالة على فن قيادة القوات العسكرية، ثم استخدم بعد الحرب العالمية الثانية في مجال إدارة الأعمال الفكر الإداري، وتناوله علماء الإدارة بمفاهيم متعددة بعد ذلك، منها أن الاستراتيجية هي “تلاحم المنظمة ووضع أهدافها في ضوء القوى الداخلية والخارجية وصياغة السياسات المحددة لتحقيق الأهداف وتأمين التطبيق الملائم لتحقيق أغراض واهداف المؤسسة، وأنها خطة موحدة وشاملة ومتكاملة تربط بين المزايا الاستراتيجية للمنشأة ومع تحديات البيئية وهي مصممة لضمان تحقيق أهداف المنشأة.”

ومن خلال “الاستراتيجية” انبثق مفهوم “التخطيط الاستراتيجي” موضوع نقاشنا في تلك المدونة، ويعرف بأنه “العملية التي يتحدد من خلالها الغايات المنظمية بعيدة المدى وانتقاء الوسائل وتخصيص الموارد وتطوير الخطط لبلوغ هذه الغايات.”

التخطيط الاستراتيجي ودوره الإيجابي نحو تحقيق التميز المؤسسي

أما عن أهمية الدور الذي يلعبه التخطيط الاستراتيجي في نجاح أي مؤسسة مهما كان حجمها وطبيعة مجالها، فيجدر بنا الإشارة هنا لسرد ما يحققه التخطيط الاستراتيجي من المنافع العديدة للمؤسسة، حيث يُمَكِنها من الوقوف الدقيق على واقعها وما يشمله من مناحي للقوة والضعف، ويربط بين هذا الواقع وكيفية بلوغ مستوى أفضل وشمولي في المسار المستقبلي للمؤسسة، ويضع أسس للتكيف مع المتغيرات، وتوزيع واستخدام أفضل للموارد المتاحة، مع تعظيم الاستفادة من القدرات والفرص التي تمكن من تحقيق التميز، وتوفير إطار عملي للإدارة في اتخاذ القرارات.

ويعتبر “التخطيط الاستراتيجي” وسيلة ونهج لعمل المنظمات بشكل عام ، حيث يمكن للمؤسسات كافة اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، وذلك من أجل إدارة الموارد المحدودة للمؤسسة بالأسلوب الأمثل، لزيادة وتحسين الخدمات وتحقيق رضا أكبر من المواطنين والعملاء أفراداً كانوا أم مؤسسات.

لذا يمكنني القول هنا، أن المنظمات التي لديها مفهوم واضح المعالم في “التخطيط الاستراتيجي” يكون لديها القدرة الأعلى لتحقيق أهدافها. أما المنظمات التي لا تطبق التخطيط الاستراتيجي في أعمالها فإن الفرصة لديها تكون ضئيلة في البقاء والاستمرارية.

هل تتساءل الآن عن خطوات العمل وسبل تطبيق مفهوم “التخطيط الاستراتيجي”؟

يتضمن الأخذ بمدخل ومعيار التخطيط الاستراتيجي القيام بما يلي:

أولاً، التعرف الدقيق لوضع المنظمة من خلال تحليل كل من بيئتها الداخلية بما تضمه من مناخ تنظيمي وموارد بشرية ومادية وعمليات وأنشطة، وبيئتها الخارجية بما تضمه من عملاء وأطراف ومؤثرات ترتبط بها، وما تحتويهما البيئتان من نقاط قوة وفرص تستطيع أن تستفيد منها المنظمة، ونقاط ضعف ومخاطر تتطلب مواجهتها والتعامل معها.

ثانيًا، صياغة الاستراتيجية التي توضح الطريق الذي يمكن من تحقيق المنظمة لغاياتها، بوضع تصور لرؤية المنظمة شاملا التوجه المستقبلي لنشاطها، ورسالتها والتي توضح الغرض الأساسي لها ووصف منتجاتها وخدماتها وما تتميز به عن غيرها، وعلى ضوء الرؤية والرسالة تتحد الغايات والأهداف وهي النتائج المطلوب تحقيقها مع تحديد أولوياتها.

ثالثا، وضع الخطط التي تحقق هذه الاستراتيجية بمكوناتها القصيرة والبعيدة المدى، وتشمل هذه الخطط البرامج والموازنات المالية والإجراءات.

رابعًا، تقييم النتائج ومدى ما حققته المنظمة من نجاح في تطبيق الإستراتجية، من خلال تنفيذ الخطط، ومن وسائل التقييم التحليل المالي لنتائج الأعمال، ومدى دقة التنبؤات التي تضمنتها الخطط، ومدى التحسن في الطلب على المنتجات والخدمات في السوق، والمزايا التنافسية المحققة.

رابعًا وأخيرًا، تقويم الاستراتيجية بوضع التعديلات المناسبة على ضوء نتائج التقييم.

ولكن يبقى السؤال! إذا كان التخطيط الاستراتيجي له هذه القيمة الكبرى فلماذا تعتقد الكثير من المنظمات أنه شيء محبط وغير مجد وقد يكون مخيبا للآمال والأحلام في حالات كثيرة؟

على الرغم من وجود العديد من المزايا التي تجنيها هذه المنظمات من خلال استخدامها وتطبيقها للتخطيط الاستراتيجي، إلا أن هناك عدداً من المنظمات لا تستطيع استخدامه! ويعود ذلك إلى مجموعة من المعوقات والعقبات.

ويمكن إبراز أهم معوقات “التخطيط الاستراتيجي” في ضعف الموارد وصعوبة الوصول إليها ونقص القدرات اللازمة لذلك، بالإضافة إلى اضطراب البيئة الخارجية. كما أن المعلومات عادة ما تكون غير ملائمة حول المتغيرات الاستراتيجية في البيئة. أيضاً حاجة التخطيط الاستراتيجي إلى وقت وتكلفة كبيرة. وعدم قدرة المدير الاستراتيجي على إدراك الفرص والمخاطر الحقيقية.

لذا عليك أن تعي جيدًا، أن أياً من هذه العوامل سابقة الذكر تؤدي إلى إعاقة عملية التخطيط الاستراتيجي واجتماع أكثر من عامل منها قد يؤدي إلى فشل التخطيط الاستراتيجي والقضاء عليه تمامًا.